-
.
.
.
حضرت محاضرة في الخامس من أغسطس من سنة ٢٠٢٥ للدكتور أدهم الشرقاوي بعنوان ”صناعة الانسان“، المقامة في مسرح كلية الخليج بمسقط.
المحاضرة كانت من المحاضرات الجميلة التي حضرتها والتي استفدت منها كثيرا وتترك أثرا في نفوسنا. ومواضيعها مهمه جدا لكل فرد في المجتمع.
التعليم منذ الصغر
بدايةً، تطرق الدكتور إلى أهمية تعليم الأطفال منذ الصغر، حتى يصبحوا أفرادًا منتجين في المجتمع عندما يكبروا. وهذا الأمر في غاية الأهمية؛ لأنِّه يُعلِّمهم تحمُّل المسؤولية منذ سنٍّ مبكرة، ويُعرِّفهم بأدوارهم وحقوقهم وواجباتهم، مما يُساعدهم على الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه.
”التعليم في الصغر، كالنقش على الحجر“ فعقول الأطفال سريعة التعلُّم، وهذا ما لاحظته مع ابني؛ فهو يتعلَّم بسرعةٍ ويحفظ بسهولةً رغم صغر سنه.
نكون قدوات لأبنائنا
تحدَّث الدكتور أيضًا عن أهمية أن نكون قدوةً صالحةً لأبنائنا، فهم يقلِّدون تصرفاتنا ويَأخذون العبرة مما يرون أمامهم.
”قبل أن نُربِّي أبنائنا، يجب أن ننظر إلى موضع أقدامنا“ فكيف نطلب من الطفل أن يلتزم بما لا نلتزم به نحن؟ لذا، يجب أن نُصلح أنفسنا أولًا، ونكون المثال الأعلى لأبنائنا، حتى يجدو فينا القدوة الحسنة، فيتعلَّقوا بنا ويقتدوا بسلوكنا.
تبادل الأدوار
من المهم أن يتبادل الآباء والأمهات الأدوار في التربية، ففي بعض المواقف قد يكون الأب حازمًا بينما تكون الأم حنونة، وفي مواقف أخرى قد تحتاج الأم أن تكون صارمةً بينما يلعب الأب دور الطرف الداعم والرحيم.
”لا ينبغي أن يكون الأبوين قاسيَين معًا، ولا مٌفرطيَين في اللين معًا“ ففي البيئة القاسية فقط، يشعر الطفل بأنه غير محبوب، أما إذا كانت البيئة دائمًا لينةً ومتساهلة، سيعتاد الطفل على الدلال الزائد، ويُصدم عندما يخرج إلى العالم الحقيقي ليجد أن الحياة لا تستجيب لكل رغباته.
لذا التوازن في التربية - بين الحزم والرحمة - هو الضمان لتنشئة طفل قويٍّ متكيِّف مع واقع الحياة.
تهيئة البيئة لتنمية الإنسان
يجب أن نُهيئ البيئة المناسبة لتنشئة إنسانٍ صالحٍ صادقٍ متحضر. فتعليمُ أدب الحوار وأدب الخلاف يُنمِّي في الطفل قيم الصدق والاحترام، ويجعله قادرًا على التعامل مع الآخرين بذوقٍ ورُقيّ.
”تعزيز مهارات إدارة الخلاف ضروري أن يتقنها الآباء أولًا، قبل أن يُعلموها أبنائهم“ كما أثار إعجابي قول الدكتور أدهم الشرقاوي: ”كل البيوت بها مشكلات، لكن هناك بيوتٌ مستورةٌ وأخرى مكشوفة“. وهذا ينطبق تمامًا على آداب الحوار وحل النزاعات؛ فالحكمة تكمن في احتواء الخلافات داخل إطار الأسرة، دون إشاعتها خارج جدران المنزل. فبيتٌ يحترم خصوصية مشاكله ويُحسن إدارتها، هو بيتٌ يُخرّج أفرادًا أسوياء يعرفون كيف يُعالجون تحديات الحياة بحكمةٍ ووعي.
تربية الأبناء بعيدًا عن الصراع
لا يجوز أن ينشأ الأبناء في بيئة مشحونة بالصراعات والنزاعات المستمرة، فهذه التجارب المؤلمة تنغرس في أعماقهم وتصبح جزءاً من تكوينهم النفسي والسلوكي.
”ما يتعلمه الطفل في بيت أبيه، سيمارسه في بيت زوجته“ فالخلافات العائلية التي يعيشها الصغار تتحول إلى نمط حياة يكررونه لا إراديًا عندما يكبرون، حيث ينقلون هذه الآليات المعطوبة إلى علاقاتهم الزوجية وأسرهم الجديدة.
لذا يجب على الوالدين إدارة خلافاتهم بعيدًا عن أعين الأبناء، وتقديم نموذجٍ للحوار الهادئ والتفاهم، وتعليم الأطفال فن حل النزاعات بطرق سليمة. فالأسرة الصحية هي التي تُخرج أفرادًا أسوياء قادرين على بناء علاقات مستقرة، لا أن يكونوا حلقات في سلسلة الصراعات العائلية الممتدة عبر الأجيال.
الذكورية السامة والنسوية المتطرفة: خطر يهدد كيان الأسرة
في ختام الحديث، نبّه الدكتور إلى آفتين خطيرتين تُهددان التوازن الطبيعي للمجتمع:
الذكورية المتسلطة (المقيتة):
هي نمط تفكير بعض الرجال الذين يرون أنفسهم أربابًا مستبدين، فإنه اعتقاد خاطئ بأن القيادة تعني التحكم المطلق في شؤون الأسرة، وتجاهل لمبدأ الشورى والتعاون في الحياة الزوجية.
النسوية المتطرفة (الخبيثة):
تبني أفكار متطرفة تدفع المرأة لرفض أي شكل من أشكال الشراكة، وهو وهم الاستقلال المطلق والقدرة على العيش بمعزل عن الأسرة، والنظرة العدائية الغير موضوعية تجاه الرجال بشكل عام.
”الأسرة السوية تقوم على التوازن لا على الصراع، وعلى التكامل لا على التنافس“ والحل يكمن في العودة إلى الفطرة السليمة التي أرادها الله للأسرة، وفهم صحيح لمبدأ القوامة الذي يجمع بين المسؤولية والرحمة. كذلك اعتماد مبدأ الشراكة الواعية القائمة على التعاون والتكامل ورفض كل أشكال التطرف سواء في الإفراط (النسوية المتطرفة) أو التفريط (الذكورية المتسلطة). فالمرأة والرجل جناحا الأسرة، لا يمكن أن يطير المجتمع بجناح واحد.
.
.
.